أحمد مازن الشقيري … الرجل الذي أحدث ثورة في الإعلام الهادف
إذا وضعنا قائمة بأهم وأشهر الشخصيات التي حصدت شهرة قياسية وتأثيرا واسعا في العالم العربي، من الطبيعي والمتوقع أن يتصدرها أحمد الشقيري، مهندس برنامج "خواطر" الذي استمر 11 عاما في نشر الثقافة الإيجابية والتأثير على النافس والارتقاء بأخلاق وثقافة الشاب العربي المسلم، ولم يتوقف الشقيري عند هذا الحد، بل أصبح الشخصيات التي يعتبر تأثيرها قويا ويقتدى به في الوطن العربي وحتى الغربي، وصولاته وجولاته شاهدة على ثورته الشاملة في الإعلام الهادف، من شاب طموح يصارع ويلات الحياة، إلى مؤثر تجاوز صداه كل طبقات التوقعات.
حفيد سياسي مرموق في السعودية
نشأ أحمد مازن الشقيري في جدة بالمملكة العربية السعودية يوم 6 يونيو 1973، في أسرة ميسورة الحال وفرت له كل متطلبات الحياة والتفوق الدراسي، واستثمرت في موهبته وذكائه منذ نعومة أظفاره، تخرج من مدرسة المنارات في جدة، وكان أحمد وليد عائلة سياسية ومتفوقة، حيث كان جده أحمد أسعد الشقيري رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، وقد عمل جده أيضا في السعودية بمنصب وزير دولة لشوون الأمم المتحدة في عهد الملك سعود من عام 1957 إلى عام 1962، هذا الإرث جعل الحفيد يخطو على طريق ترك بصمة واضحة في العالم العربي وحفر إسمه بأحرف من ذهب.
مراهق في "أرض الفرص"
لم ينتظر أحمد الشقيري مطولا، وشق طريقه إلى أرض "العم سام"، واستقرت في كاليفورنيا لمواصلة دراسته الجامعة في سن الـ17، وهناك بدأ برسم خطوط حياته وطريق النجاح الذي يسلكه، ولم يفكر يوما أنه سيكون من أشهر الإعلاميين على الإطلاق، بعد ذلك حصل على بكالوريوس إدارة نظم، ثم ماجستير في إدارة الأعمال من جامعة كاليفورنيا، ليمهد طريقة من أجل إدارة أعمال والده، ومن أرض الفرص عاد إلى مسقط رأسه وفي جعبته الكثير ليجسده على أرض الواقع.
أحلام وطموحات لا متناهية
بداية الأحلام والآمال بالنسبة لـ"الشقيري" كانت مختلفة ومتنوعة، في طفولته تمنى أن يكون طبيب أسنان أو رجل أعمال، ثم تحول إلى دراسة إدارة أعمال والإعلام الآلي، وجعله جانبه الإنساني يتجه إلى العمل التطوعي، وكان يعمل بالتجارة قبل دخوله الإعلام وكانت أهدافه وخططه بسيطة جداً، وهي عبارة عن توسعة شركته التجارية وفتح مستشفى خيري وكفالة أيتام وغير ذلك، لكن عندما دخل الإعلام تغير كل شيء تغييراً كليا وشعر أنه يملك مسؤولية كبيرة ملقاة على عاتقه تجاه الشباب العربي، ورياح التغيير الشاملة آتية لا محالة.
المنعرج الحاسم…تدخين وشباب متهور
قبل بداية رحلة النجاح الباهر، اعترف الشقيري في أكثر من مرة أنه مر بمرحلة ضياع رهيبة في عز شبابه، خاصة وأنه كان مراهقا مغمورا في بلاد أجنبية تحمل في طياتها كل أنواع المغريات، وكان التهور أنه يتسبب في دخوله مع صراع ذاتي يجعل شخصيته تتحطم كل يوم، وما زاد الطين هو إدمانه عن التدخين الذي يعتبر أحمد من أكبر المحطات السلبية في حياته، واستغرق 6 سنوات كاملة حتى يتخلص منه، وتحديدا في عام 2000 كانت آخر سيجارة يستنشق أنفاسها ليبدأ فصلا جديدا مع تطوير ذاته.
السجدة الأولى غيرت حياة الشقيري إلى الأبد
"ومازلت أذكر أول صلاة صليتها كانت صلاة العصر وصليتها في البيت ومن يومها بديت الصلاة وكنت في هذه الفترة موجود في أمريكا، هناك ولدت مجددا"، هكذا كانت كلمات أحمد الشقيري حول أهم لحظة في حياته، وتغيرت نظرته نهائيا وأصبح أكثر تفاؤلا، رغم تجربة الزواج الأولى الفاشلة والتي أثرت عليه كثيرا وانتهت بطلاق متراضي، إلا أنه عاد وحط الرحال في السعودية ليبدأ رحلة الإعلام والبرامج المؤثرة والتي حققت نجاحا قياسيا، وكل ذلك بدأ عن طريق الصدفة، وتحديدا في 2002، وكانت بدايته مع برنامج يلا شباب إذ كان معد البرنامج صديقاً له فعرض عليه فكرة المشاركة معهم، وخاض التجربة، كان البرنامج يهدف إلى تحسين وتغيير المجتمع بشكل عام مع التركيز على فئة الشباب خاصة المراهقين، ورغم أن الشقيري كان في الكواليس إلا أنه وقع في حب هذا العمل من أول حلقة.
صراع مع MBC وولادة أسطورة "خواطر"
استهل الشقيري مسيرة مع برنامج رحلة مع الشيخ حمزة يوسف في أمريكا، واقترح الفكرة على MBC لكنها رفضت هذا العرض، فكان لهذا القرار صادما بالنسبة للشقيري ورفاقه، لكنه عاد وأخبرهم بتقديم برنامج يلا شباب جديد في أربع حلقات فقط، ولكنه قوبل مرة أخرى، إلا أنه لم يستسلم وعاد بفكرة برنامج "خواطر" مدته خمس دقائق فقط واضطر أن يقترح برمجته في أي وقت، ومن بين شروط القناة أن يتكفل هو شخصيا ومن موارده الخاصة بالحلقة التجريبية التي كانت مكلفة جدا بسبب الكاميرات والمصورين، وكاد الشقيري، ولكن شاءت الأقدار والأحداث أن يتصل أحد أصدقائه ليخبره أنه قادم رفقة فريق كامل إلى المملكة العربية السعودية لتصوير حلقة تجريبية لبرنامج ما، فكان هذا الاتصال كما يقول الشقيري إشارة إلهية له، فكلم صديقه أنه يحتاجه في يوم الخميس لساعة واحدة لتصوير حلقة على السريع لإرسالها لقناة MBC، فتم تصوير حلقة "تنظيف الحمامات" وتم إرسالها ولم تأتِ الموافقة إلّا في منتصف شهر أغسطس ولم يبقَ على رمضان سوى شهرين فقط، استغرق تصوير الجزء الأول من خواطر أسبوعين مع المونتاج والتعديل، وسبب مشاكل عديدة للقناة، ولكن كل شيء تغير بعد ذلك، وبدأت رحلة التحفة الرائعة.
"لست عالماً ولا مفتياً ولا فقيهاً وإنما طالب علم"
هكذا كانت كلمات الشقيري وهو يشق طريقة في صناعة أسطورة "خواطر" التي صنعت الحدث وأصبح أكثر البرامج متابعة في العالم العربي وتخطت سمعته كل الحواجز، ومنذ 2005 إلى 2016 أبدع الشقيري في تقديم كل جزء، ويتلهف الملايين لإطلالته في شهر رمضان، وحلقاته الهادفة والمؤثرة بشكل كبير، كما استغل موهبته الفذة في التنويع بين المواضيع والحلقات، والتركيز على دور الإسلام في حياتنا وعاداتنا وصناعة شخصيتنا، وتطرق أيضا إلى مواضيع أكثر تعمقا مع أمثلة مبتكرة ونصائح في الصميم، ولعل الجزء الخامس الذي صوره في اليابان وركز على نظام الشعب الياباني قد اكسبه شهرة مضاعفة، وأصبحت صورته ومقاطعة متداولة في كل زمان ومكان، وطيلة 11 عاما بلغ الشقيري مرتبة عالية جدا من التألق والإبداع بحلقات لا تزال تصنع الحدث إلى يومنا هذا.
أكثر شخصية مؤثرة عربيا عن جدارة واستحقاق
كل هذا الإبداع نتج عنه جوائز واعتراف، الشقيري يتربع على عرض أكثر شخصية مؤثرة في الوطن العربي بين الشباب، إلى جانب فوزه بجائزة أكثر الشخصيات احتراما، وحصوله على التكريم والتقدير من مختلف المنظمات والجمعيات على العمل الكبير الذي يقوم به، كما نال الشقيري جائزة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة وجائزة الشيخ عيسى بن علي آل خليفة لتكريم رواد العمل التطوعي وجائزة إثراء من مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي، وبعد كل هذا، يتوقف الشقيري وعاد للإبداع مجددا بعد نهاية تجربته في الجزء 11 من "خواطر"، ليتجه إلى إنشاء برنامج "قمرة" الذي يختار أفضل المؤثرين الشباب والمبدعين عن طريقة طرق مبتكرة ومقاطع فيديو هادفة، وساهم في نجاح وتألق العديد من الشباب المميزين في هذا المجال.
سهام الانتقادات تصيب الشقيري
على الرغم من كل هذا، تعرض الشقيري الذي قدم في برامجه حلول لبعض المشاكل التي يعاني منها العالم العربي، لانتقادات لاذعة، واتهم بأنه يروج لنفسه وأسعار منتوجاته في سلسلة المقاهي التي يملكها، مما يتعارض مع رسالته، كما تم التشكيك في مصداقية ذهاب أرباح برنامجه إلى الأعمال الخيرية، وانطلقت الحملة الشرسة ضده في عام 2011 على تويتر، ووصل الأمر إلى اشتمه وسبه، كما وصف المنتقدون برنامج خواطر بالبرنامج السطحي في الناحية المعرفية والفقهية والشرعية، واتهم بأن فكرة برنامجه لم تعد عند الشقيري فكرة طالب علم، بل صارت ملابس ماركات وسفريات وإعلانات ومتاجرة، طبعا هذا لم يحبط من عزيمته وعاد للرد بأجزاء أكثر قوة وتأثيرا.
حياة عائلة مستقرة و"إبداع لاينتهي"
من الجانب العائلي، تزوج أحمد الشقيري مرتين، لم يستمر الزواج الأول طويلًا، ولكن زواجه الثاني من رولا داشيشا نجح بالفعل، وله منها ولدان هما يوسف وإبراهيم، ويعيش حياة مستقرة يواصل فيها إصدار الكتب والأطروحات، ونشر إبداعه وموهبته دون كلل، ورغم كل العقبات أصبح الشقيري قدوة يحتذى بيها بين الأجيال وخاصة الشباب.